الغربة
في ديوان الشعر العربي
في ديوان الشعر العربي
إذا ما تركنا المعنى اللغوي للكلمة، ونظرنا إلى ديوان الشعر العربي رأيناه حافلاً بشعر الغربة، على اختلاف ألوانها، وتعدد دوافعها: فهناك الغربة الاختيارية أو الإرادية التي تمتد لأيام أو أشهر أو سنوات في سبيل التجارة، أو طلب الكلأ والماء، وهنا نرى الشاعر العربي يحن إلى منازله ومضاربه الأولى ويعبر عن اشتياقه إليها، وإلى أحبابه الذين تركهم بها، وإلى ذكريات طفولته أو يفاعته بهذه الديار.
ومثال هذه الغربة الاختيارية نجده في السنوات الثماني التي عاشها المتنبي بعد أن ترك سيف الدولة سنة 346هـ، وكان أشدها على نفسه السنوات التي قضاها في مصر (346هـ ـ 350هـ) لقد جاءها ومدح كافورًا بالقصائد الطوال طمعًا في أن يقطعه (ولاية) يحكمها. ولكن كافورًا خيب أمله، فعاش المتنبي بلبلاً حبيسًا في قفص، يقتات آلامه، ويبكي ضياعه، إلى أن فارق مصر بليل سنة 350هـ، ضاربًا في الأرض فمضى إلى بغداد، فبلاد فارس، ثم إلى بغداد، فالكوفة، إلى أن سقط قتيلاً على يد فاتك بن أبي جهل الأسدي سنة 354هـ.
أما الغربة الإجبارية فهي التي يكون الدافع إليها (عامل خارجي) قهار: كالحكم على شخص بالنفي من بلده، أو وقوعه أسيرًا في غير وطنه، أو خروجه منه خوفًا من حاكم ظالم، وخوفا على نفسه من القتل والتلف، فهو يخرج مضطرًا؛ لأنه يرى أن سلامته لن تتحقق إلا في غير الوطن الذي يعيش فيه، وينتسب إليه.
وكانت هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكرمة المكرمة إلى المدينة المنورة (غربة إجبارية) بكل معنى الكلمة. واحتفى الأنصار بالمهاجرين أيما احتفاء، حتى كان الواحد منهم ينزل للمهاجر، ـ بلا مقابل ـ عن شطر ماله، وشطر بيته، ومع ذلك ظلت قلوب المهاجرين معلقة بمكة، يحنون إليها، ويلهجون بذكرياتهم ومعاهدهم بها. ويذهب الجاحظ إلى أن (الغريب كالغرْس زايل أرضه، وفقد شربه، فهو ذاو لا يثمر، وذو بقل لا ينضر). وهذا يعني أن المغترب، وليكن هو الشاعر في حالتنا هذه ـ يصاب في مغتربه بحالة إحباط، فتتوقف قريحته، ولا يجود إلا بالنزر القليل من الشعر، كما نرى في حالة الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود، الذي فر إلى العراق من وجه الإنكليز. وظل فيه من سنة 1939م إلى سنة 1942م، ومع ذلك لم نقرأ له في الحنين إلى وطنه إلا قصيدة أو قصديتين.
ولكن تاريخنا الأدبي يجعل من مثل هذه الحالة استثناء، ومن منا ينسى روميات أبي فراس، وسرنديبيات البارودي، وأندلسيات شوقي، وهي خير ما نظم هؤلاء الشعراء؟
المتنبي والغربة:
ويكثر شعر الغربة في ديوان المتنبي في فترة السنوات الثماني التي ترك فيها سيف الدولة، وبعض هذا الشعر يأتي في تضاعيف قصائد في أغراض أخرى، ولكن هناك ملمحين يشدان النظر في شعره:
الاول: أنه في حديثه عن غربته في سياق قصائده التي تتدفق بالحزن والأسى، يفرط في الفخر بنفسه إلى درجة تقترب من النرجسية، كما نرى في قصيدته التي رثى فيها جدته، وهو مغترب بعيد عنها. أما الملمح الثاني: وهو أطرف من الأول ـ فهو اتجاهه ـ وهو في غربته ـ إلى عالم الحيوان، يبثه الشكوى، ويعبر عن شعوره بفداحة ظلم الإنسان للإنسان.
وفي ذلك لا نجد في شعر الغربة عند المتنبي إلا المعاني المطروقة من حنين، وتعبر عن معاناة الفراق، وتألب الآلام والمواجع الكامنة إذا ما حل العيد وهو بعيد عن الأهل والخلان، والأصحاب، ولعل أشهر قصيدة في ذلك هي داليته التي نظمها عند خروجه من مصر هاربًا من وجه كافور الذي خيب آماله ومطامحه.
الغربة عند ابن زيدون
فإذا ما تركنا المشرق إلى الأندلس وجدنا (ابن زيدون) من المكثرين في شعر الغربة. وكثير منه في الحنين إلى (قرطبة) وإلى حبيبته ولادة بنت المستكفي بعد أن هرب من سجنه. وفر من وجه الأمير ابن جهور، ولجأ إلى (بني عباد) في أشبيلية سنة 1049م. ومن السهل على القارئ أن يدرك أن النبرة المسيطرةعلى أغلب قصائد الغربة عند ابن زيدون هي الاشتياق لولادة والتعبير عن حرقة الحنين إليها، واسترجاع ذكرياته معها.
أبو فراس.. شاعر الغربة
ولكن تبقى روميات أبي فارس الحمداني التي نظمها خلال سبع سنوات عاشها أسيرًا في سجون الروم، أشهر قصائد الاغتراب في الشعر العربي القديم، وأصدقها عاطفة وأعمرها بروح الفروسية العربية، وأجمعها لمعان وأفكار متعددة، فقصيدة الغربة يختلط فيها الحنين بالفخر، وهذه سمة لا تكاد تتوافر في القصائد التي تنضح بها الشكوى والألم، وتتدفق بالأحزان والأوجاع. وفي الأسر كان أرقى وأرق ما نظمه أبو فراس، وأعمره بحرارة الإحساس وصدق الشعور، وطرافة المعنى، وما يكاد يتفوق على كل ما نظمه في سنوات أسره: تلك المقطوعة التي يناجي فيها حمامة كانت تنوح على شجرة. وندر أن يكون لها ـ حسب علمي ـ شبيه في ديوان الشعر العربي في عصر الشاعر أو قبله، فقد اندمج مع هذا الطائر الحزين في مشاركة وجدانية لا افتعال فيها، وبلغت به المشاركة حد (الحلول) التام.
الإثنين أكتوبر 01, 2018 4:17 pm من طرف أسير الحب
» شعر
الإثنين أكتوبر 01, 2018 4:15 pm من طرف أسير الحب
» والدي الحبيب
الجمعة أبريل 08, 2016 12:44 am من طرف اوف يا حظنك حبيبي بلاء
» ابوذيات للحلوين
الجمعة أبريل 08, 2016 12:41 am من طرف اوف يا حظنك حبيبي بلاء
» دارمي يموت
الأحد مارس 13, 2016 2:19 pm من طرف احمد اعناج
» ترحيب
الأربعاء يناير 20, 2016 4:16 am من طرف جاسم
» ابو ذية
الجمعة ديسمبر 11, 2015 2:01 am من طرف ظافر الظافر
» فضل قراءة قل هو الله احد في ايام رجب
الأحد نوفمبر 29, 2015 9:02 pm من طرف الملکة
» بمناسبت قرب عيد رمضان المبارك
الجمعة يوليو 17, 2015 3:34 am من طرف ابوسيف العويسي
» انه بدونك طفل
الإثنين مايو 25, 2015 7:02 am من طرف شاعرة الحنين
» ابتسم
الأحد مايو 17, 2015 4:11 am من طرف كاظم موسى قسام
» غضل قراءة قل هو الله احد في ايام رجي
الأحد مايو 17, 2015 4:00 am من طرف كاظم موسى قسام
» شجرة دارمي كوم
الأربعاء مايو 13, 2015 6:31 pm من طرف abbaslife1
» دارمي وقصته الحزينه..
الأربعاء مارس 04, 2015 11:10 am من طرف احمد اعناج
» عضو جديد
السبت ديسمبر 27, 2014 11:55 pm من طرف الكفاري